
أراي نيوز /متابعة
مع تصاعد التهديدات الجوية التي تثير قلق العراقيين بين حين وآخر، انتعشت الآمال مؤخراً بزيارة غير متوقعة لأمين مجلس الأمن الفيدرالي الروسي سيرغي شويغو إلى بغداد، حيث التقى المسؤول الروسي الكبير جميع الرئاسات العراقية وأجرى مباحثات وُصفت بالرفيعة المستوى. كثيرون في الشارع العراقي، وخصوصاً داخل الأوساط السياسية والشعبية القريبة من فصائل المقاومة، أعادوا سريعاً فتح أحاديث قديمة عن إمكانية أن تبيع روسيا للعراق منظومات الدفاع الجوي المتطورة S400، التي تعدّ الوحيدة القادرة تقريباً على إسقاط الطائرات الإسرائيلية من طراز F16 وF35.
ويطالب نواب وسياسيون وقادة فصائل في العراق منذ سنوات الحكومة بشراء هذه المنظومات الروسية، خصوصاً بعد كل اختراق للأجواء من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، وغالباً ما تُتَّهم الحكومات المتعاقبة بتجاهل هذه الدعوات بدافع مراعاة واشنطن وعدم إغضابها. لذلك، فإن زيارة شويغو أثارت آمالاً واسعة بأن موسكو قد تفتح الباب أخيراً أمام صفقة ستراتيجية لتأمين السماء العراقية.
لكن ما جرى خلف الكواليس لم يكن على ما يطمح إليه العراقيون. فالمعلومات المتسربة من اللقاءات أكدت أن شويغو لم يأتِ في مهمة تتعلق بالتسليح، بل في إطار توجه روسي مختلف تماماً. فقد حمل معه ملفاً حساساً يرتبط بديون مالية قديمة مستحقة على العراق لموسكو، تعود إلى ما بعد عام 2003، وتتعلق بصفقات تسليح سابقة ومستحقات شركات روسية لم تُسدَّد بعد. ويبدو أن الرئيس فلاديمير بوتين أعاد تذكير فريقه بهذه الديون في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها بلاده بسبب حرب أوكرانيا والعقوبات الغربية المشددة عليها.
غادر شويغو بغداد عائداً إلى موسكو دون أن يسمع العراقيون التصريحات التي كانوا ينتظرونها بشأن صفقة دفاعية كبرى أو مضادات جوية حديثة، وهو ما دفع المراقبين إلى وصف نتائج الزيارة بأنها “غير مرضية” بالنسبة لطموحات الشارع. الحكومة العراقية اكتفت بالحديث عن “تعاون سياسي وعسكري” عام، وأعلنت أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تلقى دعوة للمشاركة في القمة العربية – الروسية المرتقبة الشهر المقبل، من دون الإشارة إلى أي تفاصيل تخص ملف الدفاع الجوي.
من جانبه، عبّر الخبير الأمني سرمد البياتي عن عدم تفاؤله بخصوص احتمالية عقد صفقة ستراتيجية مع روسيا في الوقت الحالي. وقال إن الوفد الروسي أوضح لبغداد أن موسكو تواجه حصاراً وتحديات اقتصادية قاسية، وأن الأولوية بالنسبة لها هي استرداد الديون القديمة “الكبيرة”، وليس فتح ملفات تسليح جديدة. البياتي شدّد على أن العراق لن يسمع قريباً عن أي صفقة دفاعية ضخمة تضمن له حماية سمائه من التهديدات الإسرائيلية أو حتى الأميركية، في ظل الأوضاع التي تمر بها روسيا حالياً.
وهكذا انتهت الزيارة المرتقبة دون أن تحقق الأمنيات الشعبية بشراء مضادات S400، لتبقى السماء العراقية رهينة الحسابات السياسية الدولية، ومقيدة بين ضغوط واشنطن واشتراطات موسكو الاقتصادية.