سياسي

تحت “النجوم والمشارب”.. بارزاني يوقّع عقود غاز بمليارات الدولارات في واشنطن وسط خلافات قانونية وسياسية مع بغداد

أراي نيوز/متابعة إعلامية

واشنطن – السليمانية – بغداد-في خطوة وُصفت بالمثيرة للجدل، وقّع رئيس حكومة إقليم كردستان المنتهية ولايته، مسرور بارزاني، عقدين ضخمين لتطوير حقول غاز في محافظة السليمانية مع شركتين أجنبيتين، وذلك خلال زيارة رسمية إلى العاصمة الأمريكية واشنطن. وجرت مراسم التوقيع بحضور إعلامي مكثف وتحت العلم الأمريكي، في مشهد أثار تساؤلات سياسية وقانونية بشأن دلالاته ومآلاته، خاصة في ظل غياب التنسيق مع الحكومة الاتحادية في بغداد.

ورغم أن العقود لم تُبرم مع جهات حكومية أمريكية، بل مع شركتين خاصتين، إحداهما مسجلة في الولايات المتحدة (HKN Energy) والأخرى في كندا (غرب زاغروس)، إلا أن التغطية الإعلامية المرافقة للحدث عمدت إلى إبراز الرموز الأمريكية بقوة، ما أعطى الانطباع بأن الاتفاقات تتم برعاية رسمية من واشنطن. ويرى مراقبون أن اختيار العاصمة الأمريكية كموقع للتوقيع لم يكن تفصيلاً بروتوكولياً، بل يحمل رسائل سياسية هدفها إضفاء طابع دولي ورسمي على الخطوة، وإيصال إشارات بدعم أمريكي مباشر للإقليم.

عقود بمليارات الدولارات ومواقف متباينة

العقد الأول الذي وُقّع مع شركة HKN Energy يشمل تطوير حقل ميران الغازي، الذي تُقدّر احتياطاته بأكثر من 8 تريليونات قدم مكعب من الغاز، بقيمة سوقية تبلغ حوالي 40 مليار دولار. أما العقد الثاني فهو مع شركة غرب زاغروس ويشمل تطوير حقلي كوردمير وطوبخانة، حيث يحتوي الأخير على نحو 5 تريليونات قدم مكعب من الغاز و9 ملايين برميل من النفط، بقيمة إجمالية تقارب 70 مليار دولار، ليصل مجموع قيمة المشروعين إلى حوالي 110 مليارات دولار.

في كلمة ألقاها خلال مراسم التوقيع، قال مسرور بارزاني إن العقود تمثل “بداية مرحلة جديدة من العلاقات بين كردستان والولايات المتحدة”، معبّرًا عن سعادته بإتمام التوقيع في واشنطن “لخدمة شعب كردستان والعراق”، في إشارة إلى ما وصفه بـ”الدور الأمريكي التاريخي في دعم الإقليم”.

بغداد ترفض وتلوّح بعدم الشرعية

من جهتها، أصدرت وزارة النفط العراقية بيانًا أكدت فيه رفضها الكامل لما اعتبرته إجراءات أحادية من قبل حكومة إقليم كردستان، مشيرة إلى أن العقود المبرمة تخالف قرارات المحكمة الاتحادية العليا، لا سيما الحكم الصادر في الدعوى (59 / اتحادية 2012 وموحدتها 110 /اتحادية 2019) الذي أكد عدم شرعية التعاقدات التي تتم خارج إطار الحكومة الاتحادية.

وأشارت الوزارة إلى أن الثروات الطبيعية هي ملك لجميع أبناء الشعب العراقي، وأن أي استثمار يجب أن يتم بالتنسيق مع بغداد، معتبرة أن ما جرى في واشنطن يعد باطلًا قانونيًا وفق الدستور وقرارات القضاء العراقي.

اعتراضات كردية وتحذيرات سياسية

لم تقتصر الانتقادات على بغداد، إذ أبدت أطراف كردية داخل الإقليم تحفظها على توقيع عقود استراتيجية بهذا الحجم من قبل حكومة “تصريف أعمال”، معتبرة أن الخطوة قد تُعرّض الشركات المتعاقدة لملاحقات قانونية، خاصة وأن أحد الحقلين موضوع العقد هو محل نزاع قضائي مع شركات أخرى في محكمة لندن.

من جانبها، وجهت النائبة سروه عبدالواحد انتقادات حادة إلى مسرور بارزاني، معتبرة أن توقيع عقود بمليارات الدولارات من قبل حكومة غير مكتملة الصلاحيات يُعد تجاوزًا للدستور وقرارات المحكمة الاتحادية، التي تحظر على حكومات تصريف الأعمال توقيع اتفاقيات مالية أو استراتيجية. وأشارت إلى احتمال تعرض الشركتين لمساءلة قانونية مستقبلًا، داعية إلى الالتزام بالأطر الدستورية في التعامل مع الثروات الطبيعية.

مستقبل الاتفاقات رهن التوازنات السياسية والقانونية

ويأتي هذا التطور في ظل توتر مستمر بين أربيل وبغداد حول ملف إدارة الثروات النفطية والغازية، وتكرار الأزمات التي عطلت تصدير النفط من الإقليم لفترات طويلة سابقًا بسبب خلافات قانونية وفنية. ويرى خبراء أن هذه الخطوة تعيد إلى الواجهة الإشكاليات الدستورية المرتبطة بصلاحيات الأقاليم في العراق، وتطرح تحديات أمام مستقبل العلاقة بين المركز والإقليم، خصوصًا مع تزايد الضغوط على قطاع الطاقة في البلاد واحتدام الصراع على الموارد.

بين الطموح الاقتصادي لإقليم كردستان، واعتراضات الحكومة الاتحادية على “انفراد” الإقليم بإبرام الاتفاقات، يبدو أن مصير هذه العقود سيبقى معلقًا بين قرارات المحاكم وتوازنات السياسة، محليًا ودوليًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى