
رسل العاصي / أراي نيوز
الحسين عصام، أحد طلاب الدورة 89، ودّعه أهله وأصدقاؤه على قرع طبول الحزن، لا في زفافه المنتظر. تخرج في كلية هندسة الطيران، آملاً أن يصبح ضابطًا طيّارًا يكرّس جهوده لحماية العراق وأهله، لكن حلمه لم يكتمل، بل تحول إلى كابوس لعائلته، التي فقدته ليُصبح “الشهيد الملازم المهندس الطيّار الفقيد”.
تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية خبر الحادث المؤلم الذي شهدته الكلية العسكرية الرابعة في الناصرية، يوم الأحد الماضي، حيث تعرّض عدد من الطلاب لوعكة صحية خلال أول يوم تدريب لهم، ما أسفر عن وفاة أحدهم وإصابة آخرين نتيجة التعرض المباشر لأشعة الشمس.
وبحسب هيئة الأنواء الجوية، بلغت درجة حرارة محافظة ذي قار يوم الحادث، الأحد الموافق 18 أيار الحالي، 46 درجة مئوية.
من جهتها، أصدرت وزارة الدفاع بيانًا رسميًا بعد يومين من الحادثة، بتاريخ 21 أيار، أوضحت فيه أن السبب يعود إلى وعكة صحية نتيجة التعرّض للشمس، ما أدى إلى إصابة الطلاب بالجفاف. وذكرت الوزارة أن عدد المصابين بلغ تسعة طلاب، أحدهم توفي، واثنان حالتهما مستقرة، بينما استعاد الآخرون عافيتهم وسيغادرون المستشفى.
لم يدم خبر وفاة الطالب الحسين طويلًا، حتى تلقّينا نبأ وفاة زميله رضوان عبد الكريم البيضاني، بالسبب ذاته.
يبحثون عن الحقيقة
أكد أهالي الضحايا، خلال ظهورهم في قنوات محلية، أن ما حدث لأبنائهم ليس كما ورد في بيان وزارة الدفاع، بل وصفوه بـ”جريمة بحق الإنسانية”، ارتُكبت بحق أبنائهم في أول يوم من التحاقهم.
ونقل الأهالي، عن زملاء الطلاب المتوفين، أن المعاملة كانت قاسية إلى حد الإجرام؛ إذ ظلّ الملتحقون واقفين تحت أشعة الشمس من الساعة السادسة صباحًا وحتى السادسة مساءً، من دون ماء أو طعام، وبدأ الطلاب يتساقطون الواحد تلو الآخر.
فيما ذكر آخرون أن الضباط، وبعد تلك الساعات الطويلة من الوقوف، جلبوا صهريج ماء لا يُعرف مصدره، ولا إن كان صالحًا للشرب، ثم فتحوا صنبوره ليشرب الجميع. وبعدها، أمروا الطلاب بإفراغ ما شربوه بالكامل، مهددين إياهم بأن العقوبة ستكون “النوم على الحصى” إن لم يفعلوا. وبينما عجزت الغالبية عن التنفيذ، سقطوا مغشيًا عليهم، وتم نقلهم إلى المستشفى.
وتساءل الأهالي: هل هذا هو شكل التدريب العسكري؟ أم أننا قدّمنا أبناءنا إلى الموت المحتم؟
إقالة وتشكيل مجلس تحقيقي
وجّه رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، محمد شياع السوداني، بتشكيل مجلس تحقيقي لمحاسبة المقصّرين قانونيًا، وذلك على خلفية وفاة طالبين وإصابة آخرين في الكلية العسكرية الرابعة بمحافظة ذي قار.
كما أمر بإعفاء عدد من المسؤولين العسكريين وسحب يدهم من العمل، بالإضافة إلى منح رتبة ملازم للطالبين المتوفين. وشدّد السوداني على ضرورة حسن التعامل مع المتدربين في المؤسسات العسكرية، ومنع أي تجاوزات قد تُعرض حياتهم للخطر.
تعديل جدول التدريب
أصدرت رئاسة أركان الجيش توجيهًا رسميًا يقضي بتعديل جدول التدريب في جميع الدورات العسكرية، على خلفية حادثة الناصرية.
وبحسب وثيقة متداولة، شمل التوجيه إلغاء التدريب خلال فترة الظهيرة في فصل الصيف، مراعاةً للظروف المناخية القاسية وحرصًا على سلامة المتدربين.
ووفق التعديلات الجديدة، ستكون أوقات التدريب من الساعة السادسة صباحًا حتى العاشرة صباحًا، ومن الساعة الخامسة مساءً حتى التاسعة مساءً.
هل كان السوداني غافلًا أم ينتظر الحدث ليركب الموجة؟
في وقتٍ سابق، ظهر الفريق ناصر الغنام في حلقة كاملة مع الإعلامية منى سامي، تحدث خلالها عن التدريبات العسكرية، مشددًا على الشدة والصرامة والابتعاد عن التهاون.
وفي السياق ذاته، نشرت وكالة “إيشان” منشورًا سابقًا للغنام، يتباهى فيه بقساوة التدريبات في إحدى الدورات، عام 2023. وجاء في المنشور:
“في آب 2023، وحين كانت درجات الحرارة تصل إلى نصف درجة الغليان، نشر ناصر الغنام، الذي كان مديرًا للأكاديمية العسكرية، صورًا لطلاب يعملون تحت أشعة الشمس، وهم يحفرون خندقًا، وكتب: ‘تحت أشعة الشمس الحارقة، أبناؤكم ينفذون تمرين الفصيل في الدفاع’.”
في ذلك الوقت، وقبل أن نشهد حالات وفاة، علّق عدد من المواطنين محذرين من “طريقة التدريب الكلاسيكية”. وكتب أحدهم: “سيادة الفريق، رفقًا بهم.. حتى سجناء زويرا لم يُعاقبوا بهذه الطريقة”، ليرد عليه الغنام: “من يريد أن يبقى على قيد الحياة، عليه أن يعمل بجد ليعيش في الميدان.. هكذا هي العسكرية، وبالمناسبة، كلمة ‘حتى’ تُكتب هكذا.”
يقول مراقبون اليوم: “كأن الغنام كان يعلم أن هذه الطريقة قد تؤدي إلى الوفاة، فقد لمّح إلى ذلك في رده.”
من يتحمّل المسؤولية؟
وإن دلّ ما حدث على شيء، فإنه يدل على استهانة واضحة بأرواح المشاركين في تدريبات الكلية العسكرية، سواء بعدم المتابعة، أو الإهمال، أو الرضا الضمني عن طبيعة التدريب.
عجبًا، نسمع بإقالة عميد الكلية، ولا نسمع عن مساءلة القائد العام للقوات المسلحة، باعتباره المسؤول الأول. وإن وقع الخلل، فهو ضمن مسؤوليته المباشرة، لا سيما في ظل الترويج المسبق لصرامة هذه التدريبات عبر تصريحات إعلامية ومنشورات رسمية، عكست النهج القاسي المتّبع داخل المؤسسة العسكرية.