بلد تُنادي.. موسم العنب والمشمش يبدأ وسط تحديات تهدد الإرث الزراعي العريق

بلد (صلاح الدين ) أراي نيوز
مع انطلاق موسم جني العنب والمشمش، تعود الحياة إلى بساتين قضاء بلد في محافظة صلاح الدين، حيث يتهادى الفلاحون بين أشجارهم محملين بثمار تعبهم وجهدهم، في مشهد يتكرر كل عام ويؤكد عمق العلاقة بين الإنسان والأرض.
تُعد أراضي بلد من أخصب المناطق الزراعية في العراق، بفضل تربتها الغنية ووفرة مياه نهر دجلة الذي يمر بمحاذاة أغلب البساتين، مما منحها شهرة واسعة في زراعة الفواكه، وعلى رأسها المشمش والعنب. إلا أن هذا الموسم الذي يحمل الخير في ثماره، لا يخلو من منغصات اقتصادية وتحديات تهدد مستقبل الزراعة في القضاء، أبرزها غياب الدعم الحكومي وفتح باب الاستيراد في ذروة الإنتاج المحلي، ما جعل الكثير من المزارعين في حالة قلق من خسائر محتملة.
موسم المشمش والعنب.. نكهة خاصة وزراعة متجذرة
يقول عدد من فلاحي قضاء بلد في حديثهم لـ”أراي نيوز”، إن البساتين التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم لا تزال عامرة بالخيرات، مؤكدين أن “المشمش البلداوي” يُعد من أجود الأنواع في العراق والمنطقة العربية، لما يتميز به من نكهة حلوة لا تضاهيها الأصناف المستوردة.
“نقضي ساعات طويلة يوميًا في رعاية البستان، من الفجر حتى المساء. الأرض بالنسبة لنا ليست فقط مصدر رزق، بل جزء من حياتنا”، يقول أحد المزارعين.
يتراوح سعر كيلو المشمش في بداية الموسم بين 1500 و2000 دينار، حسب الصنف وجودته، فيما تصل كميات المحصول إلى أسواق بغداد وأطراف البصرة، مما يعزز مكانة القضاء كمصدر رئيسي للفاكهة في البلاد.
كما تشتهر بلد بزراعة العنب بأنواعه المختلفة، إلى جانب محاصيل موسمية مثل الخوخ، العرموط، التكي، التين، والتفاح، ما يعكس تنوع الإنتاج الزراعي وثراء الأرض.
تحذيرات من موسم خاسر.. والاستيراد العشوائي يُهدد الزراعة
في ظل هذه الوفرة، يواجه الفلاحون تحديات تتكرر كل عام، أبرزها غياب خطط التصدير الفعالة، وتراجع الدعم الحكومي، وارتفاع تكاليف الإنتاج من أسمدة ومبيدات وأجور نقل.
قائممقام قضاء بلد، حيدر البلداوي، أطلق تحذيرًا صريحًا في حديثه صحفي لوكالات ”، مشيرًا إلى أن القضاء يتعرض لما وصفه ب”النزيف الاقتصادي”، بفعل الاستيراد العشوائي الذي أضرّ بأكثر من 50% من المحاصيل المحلية خلال الأسابيع القليلة الماضية.
“بلد لم تعد كما كانت.. نحن نخسر موسمًا كاملًا رغم كل ما استثمره المزارعون من جهد ومال”، قال البلداوي.
وأضاف: “نطالب بتدخل عاجل من الحكومة الاتحادية، وعلى رأسها رئيس الوزراء ووزير الزراعة، لوقف سياسة الاستيراد أثناء ذروة الإنتاج المحلي، إذ أن الاستمرار بهذا النهج سيؤدي إلى إحباط الفلاحين وعزوفهم عن الزراعة”.
وأكد أن قضاء بلد لا يُعد مجرد بقعة زراعية، بل يمثل رئةً خضراء تمد بغداد وحدها بأكثر من نصف حاجتها من الخضر والفواكه، ما يجعل حمايته واجبًا وطنيًا لا يحتمل التأجيل.
بين الحب والخوف.. الفلاحون يحلمون بالمستقبل
في ختام التقرير، يعكس حديث الفلاحين في بلد مشاعر متباينة بين الفخر بموسم الخير، والقلق من استمرار الإهمال الحكومي.
فمن جهة، هم يقطفون ثمار تعبهم بأيديهم، ومن جهة أخرى يخشون على مستقبل زراعتهم من الانهيار.
“هذه الأرض وهبتنا الحياة.. وسنبقى نرعاها، لكننا بحاجة إلى من يرعى حقوقنا ويقف معنا في وجه الخسائر”، يختم أحد المزارعين حديثه.